الاثنين، 11 فبراير 2013

هل وصلنا لنهاية عصر الإبتكار؟


        "أليس هذا هاتف أيفون ٥ ؟" سألتني صديقتي مشيرة إلى صورة لهاتف نقال أبيض تغطيه شاشة كبيرة. "لا، إنه هاتف بلاك بيري الجديد الذي سيصدر في الأسواق قريبا" رددت عليها. فعلا، كان الشبه بين الهاتفين كبيرا لحد التطابق، فلكليهما يمتلك نفس الحجم والشكل تقريبا، والشاشة الكبيرة التي تعمل باللمس، والعديد من التفاصيل المشتركة الأخرى.  لكن هذا الشبه ليس فقط بين هاتف بلاك بيري الجديد والأيفون أوغيره، فأغلب الهواتف النقالة الجديدة من مختلف الشركات، مثل الجالاكسي من سامسونج، وإكسبيريا من سوني أريكسون، ولوميا من نوكيا، وغيرها من الهواتف التي أصدرتها شركات مثل أل جي و نيكسيس، لها أشكال متشابهة، ولولا إختلاف بعض التفاصيل فيها، لكانت متطابقة.
        شكل الهاتف النقال الذي نراه رائجا جدا اليوم، بدون أزرار وبشاشة حساسة وبحجم يتسع لقبضة اليد الكاملة، ليس جديدا. فأول هاتف أخذ هذا الشكل البسيط والمتطور هو الأيفون من شركة أبل عام ٢٠٠٧. كان الأيفون في ذاك الزمان من أشهر الهواتف النقالة، والعديد اعتبره نقلة تاريخية في زمن التواصل السريع. ومنذ نجاح هذا الخط من الهواتف المحمولة، سعت الشركات الأخرى ـ بعد بعض المقاومة ـ  لتقليده، تلبية للرغبة التي أظهرها المستعملون لهكذا تصميم. ويستمر نجاح هذا الخط من الأجهزة الى يومنا هذا، فها هو هاتف أيفون ٥ يبيع خمسة ملايين هاتف في نهاية الأسبوع الأولى لإطلاقه في الأسواق، وأتى الجالاكسي أس ٣ من سامسونج لينافس الأيفون ٥ ويتغلب عليه في المبيعات في بعض المناطق في العالم. ولهاتف لوميا من نوكيا قصة نجاح مشابهة بعد إطلاقه مؤخرا.
التنافس الحاد بين الشركات المختلفة هو الذي أدى إلى جعل كل شركة تسعى لوضع أحدث وآخر التقنيات في أجهزتها، مما أدى لجعل أغلب الهواتف على نفس المستوى من التقنية. لكن في الجانب المظلم، أصبح التنوع في سوق الهواتف المحمولة شبه معدوم مقارنة بالأعوام السابقة، حين كنا نرى إختلافا كبيرا بين أشكل وأحجام وخدمات الهواتف، وكان الشخص يشعر بالتميز بين أقرانه من حملة الهاتف المتنقل. وأنا هنا لا أتكلم عن التصاميم الموجودة في السوق حاليا والتي يمكن أن تعود لأعوام مضت، بل عن أحدث الإصدارات من مختلف الشركات.  
        أيضا، قصة التقليد والشبه ليست محصورة في مجال الهواتف المحمولة، فهي تشمل تقنيات أخرى. مثلا، على الرغم من الإختلافات بينهما، الأيباد والجالاكسي نوت هما كمبيوتران لوحيان يعملان باللمس، ولن يشعر شخص يستخدم أحد الجهازين بالفرق بينها لحد يجعله لا يعوض بالآخر. أيضا، نلاحظ كيف قامت شركة مايكروسوفت بتقليد أبل في الويندوز ٨ عبر إدخال خاصية المربعات التي يمثل كل منها تطبيقا في النظام الجدي، تقليدا للتطبيقات الموجودة في نظام ماك منذ زمن. ثانيا، الشركات نفسها أصبحت تقلد نفسها. مثلا، أصدرت أبل في أواخر العام الماضي الكمبيوتر اللوحي أي باد ميني، الذي هو عبارة عن مصغر عن الأيباد الكبير الذي أطلق منذ بضعة أعوام. على الرغم من تركيز الشركة على التفاصيل التي تميز الأيباد الكبير عن الصغير، تلك التفاصيل لاترقى لمستوى تطور جديد في عالم الإتصالات والتقنية، مثل اختراع الأيباد عام ٢٠١٠ مثلا. وسامسونج تسير في نفس الاتجاه، فأصدرت جالاكسي S3 ميني، وهوعبارة عن مصغر عن الجالاكسي S3 الأصلي.
         نرى من خلال هذه الأمثلة وغيرها قلة التنوع والتجديد في سوق التقنية في ظل التقليد بين الشركات الكبرى انصياعا لرغبة الشريحة العظمى من المتسوقين، بالإضافة لتناقص دور المهندسين والمخترعين الذين لطالما أبهرونا في الماضي بإختراعاتهم التي لم يكن لها سابق، من أبرزهم ستيف جوبز، المدير التنفيذي السابق لأبل. في الواقع، لاقت أبل الكثير من الانتقادات مؤخرا بسبب قلة الإبتكارية فيها بعد وفاة ستيف جوبز وأخذ تيم كووك موقعه كالمدير التنفيذي لأبل. فالكثيرون قالوا أن في عهد كووك لم تصدر أبل أي إختراع ثوري مثل أبل في عصر جوبز، فالأيفون ٥ لم يضف على الأيفون ٤ و ٤ أس كثيرا، والأيباد ميني الذي أصدر في عهد كووك لم يأتي بجديد سوى حجمه الأصغر، وسعره الأرخص. و في الواقع، بدأت قلة الإبتكار تؤتي أكلها على أبل، التى نزلت قيمة أسهمها وخسرت لقبها كأغلى شركة في العالم.
         فما هو السبب الدقيق وراء ظاهرة التقليد وعدم التنوع في مجال التقنية الإلكترونية؟ هل هو غياب شخصية موهوبة؟ أوببساطة رغبة الشركات بتقليد التصاميم الناجحة وإعطاء المشتري ما يريده لتحقيق مبيعات عالية بطريقة سهلة؟ أم هل فعلا قد وصلنا لحدود التقنية ولم يعد من الممكن إيجاد تطور جديد؟
        نأمل أن تجد كبرى شركات التقنية في العالم الحلول لتلك الأسئلة قبل أن يتحول سوق التقنيات من قوس قزح يعطي المشتري حرية التميز والإنتقاء إلى سوق يجبركل مشتر بالإلتزام بتصميم وخط معين من التصاميم والتقنية.  







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق