الثلاثاء، 30 أبريل 2013

"كرسي الاعتراف" شيّبني! - منصة الوسائط المتعددة


فعلاً، لم أدرك يوماً بأن مهنة الصحافة قد تكون بهذا الحجم من الصعوبة. حذّرني الكثير من الموضوع الذي اخترته لهذه المادة، فمنهم من أشار إلى التورط مع السلطات المسؤولة عن التوفل و التعليم بشكل عام، و منهم من حذّرني من صعوبة تغطية الموضوع عملياً و لوجستياً، إلا أنني لم أكترث. أو بالأحرى،  من شدة حماسي لإنجاز أول تقرير صحفي لي في حياتي، قررت أن أقبل التحدي، وآآه، أي تحدي!
 

معاناتي الأولى: من سيعترف؟

طبعاً، بدأ مشوار الصعوبة بأهم محطة، وهي العثور على من سيقبل الاعتراف بشراء شهادة التوفل ليس فقط للمنصة المكتوبة، بل للراديو، و أمام العدسة. صدقوني، بدأت مشوار البحث عن أشخاص لتقارير المنصات القادمة منذ الأيام الأولى للفصل، حتى قبل تسليم المقالة المكتوبة! فأود أن تسمحوا لي أن أشارككم بعض القصص و الحوادث التي مررت بها.
 

القصة الأولى: كان أول من حاولت معه هو ذات الشخص الذي لفت نظري للظاهرة بأكملها و بالتالي المساهم الأكبر لسبب اختياري للموضوع، حيث زرع فيّ الاهتمام الشخصي... إنه حمد.

حمد ع. اتصل بي هاتفياً منذ بضعة أشهر و قال: "مرحبا يالمزيونة، شخبارج، سمعي، أنا حمد ع.، و يبت رقمج من ربيعي لأن قللي إنك، ماشاء الله، نجحتي في التوفل من أول مرة، بدرجة عالية وايد، "by the way" صدج؟ (صدق؟) إنزين ما علينا، شرايج تمتحنين التوفل عني و عقب يوم تنجحين، بعطيج حقج و إنتي حطي الرقم اللي تبينه، بس ما تزوديناه وايد علينا، يعني 6000 درهم حلوين، لاه؟ شو قلتي؟ ............................. آلو؟؟ آلو؟ إنت وياي؟"

 

صدمة.

 
كانت هذه صدمة لا مثيل لها، أخذتني على الهول. من هنا، قررت أن أتبنى هذه المسألة، و طبعاً لا داعي للذكر أنني حينما بدأت البحث عن شخصيات و على الفور اتصلت بحمد، و شكرت الله أنه رد على المكالمة،  ردّ و نار الاستياء يكاد يصل لهيبها إليّ،  فقد كنت قد رفضت طلبه مسبقاً رفضاً قاطعاً و قاسياً مشبعاً بنوبات توبيخ لضياع الأخلاق. طبعاً، بعد إنهائه للمكالمة (في وجهي)، ضحكت لسذاجتي.. كيف أفكر أنه سيخدمني، و في خدمة "خطيرة" كهذه، و أنا لم أخدمه أصلاً؟!

لم أيأس. كنت أقول، "مازلت، يا ساندي، في بداية المشوار. لا مجال لليأس." و شكراً لشحنات التحفيز المعنوية من أستاذتنا ديمة الخطيب، فواصلت البحث.

 

القصة الثانية: بينما كنت أتحدث مع أصدقائي عن الموضوع أملاً في العثور على شخصيات لتقريري، حصل ذلك. وجدت كبش الفداء. ولكنه، محمد و صديقين له، رفضوا الظهور أمام العدسة. 

لذلك، و لتفادي موضوع "الاعتراف" هذا، قررت تأجيله للمنصات القادمة، فربما يحتاج وقتاً أطول. 

قررت البحث عن هؤلاء الذين يجلسون للتوفل بدلاً من غيرهم. تذكرت زميلتي نادية في المدرسة الثانوية التي كانت تقوم بهذا العمل في أيام الدراسة. فوراً، اتصلت بها و استفسرت، فأفصحت لي عن معلومات خطيرة، و عندما طلبت منها تجسيل المكالمة، رفضت الإفصاح عن كل المعلومات التي قالتها سابقاً. آآآه كم تمنيت أن كنت قد سجلت المكالمة!

طبعاً، إنني أمزح. فأنا أدرك جيداً كل تفصيل من تفاصيل أخلاقيات هذه المهنة الشاقة.

القصة الثالثة و الأخيرة:  قبل تصوير المنصة التلفيزيونية بأسابيع، كنت مازلت في عملية البحث عن شخصيات، أسميتهم، "المعترفين بالجريمة". و سبحان الله، من حيث لا أدري، حدث ما أريد. بينما كنت مع أصدقائي في الكافيه أمضي بعض الوقت يوم الخميس، تحدثنا في الموضوع، فقال لي أحدهم: "بتعرفي أنو نص رفقاتي شاريين الامتحان؟ ياخي وين عايشة إنتي..." و هنا، جاءتني الرزقة! فزع قلبي فرحاُ و طلبت منه أن يعرفني على هؤلاء، فقال لي و أنقل قوله حرفياً: "هاي مهمة صعبة، بس كرمالك، رح أقنع اثنان منهم ليحكوا معك، أمري لله" و فعلاً هذا ما حدث. اتصلت بصديقي هذا خمسين ألف مرة، و كان كل مرة يرد عليّ سلبياً.

 لكني لم أيأس. بقيت وراءه؛ اتصلت به كل يوم، أزعجته، أيقظته، "نكدّت عليه عيشته" إلى أن استطاع إقناع اثنين من أصدقائه للظهور في تقريري: حسن و منصور

 

ما بين حسن و منصور: استهتار و مسؤولية؟

 

صدمة.

صدمت صدمة حياتي الثانية عندما تحدثت مع حسن و منصور. اعترفا بشرائهما للامتحان بلا حرج! بكل أريحية! اعترفا بشراء الشهادة كأنهما اشتريا كيس "بطاطا شيبس"! أذكر جيّدا علامات التعجب التي شعرت بارتسامها على معالم وجهي و صوت ضحكاتهم المتعالية على ردة فعلي المتفاجئة لأمر بات عادياً في أعين مجتمع اعتاده. وكان حسن مستهتراً بالموضوع استهتاراً يطفح الكيل منه، لدرجة أضحكت كل من شاهد التقرير، فانطبق عليه المثل الشعبي: "مطبّل بالدنيا مزمّر بالآخرة" أو بعبارة عاميّة أخرى، "حسن بايعها!"

 

 

  (حسن يضحك عند الاعتراف)

 

أما منصور، فظهرت عليه بعض معالم الاستياء أو عدم الارتياح للموضوع بأكمله، حيث أكد لي وراء الكواليس، أنه من حسب و نسب، فلا يشرّفه أو يشرّف عائلته التي لها مقاماً كبيراً في دولة الإمارات، حصوله اللا أخلاقي هذا على الشهادة، حسب قوله. ولكنه أشار إلى أنها كانت الطريقة الوحيدة المتبقية أمامه بعد رسوبه المتكرر و تعطل مستقبله على الشهادة.

 


  (منصور متضايق عند الاعتراف)

 

حسن: "لماذا نشتري الشهادة؟ لأن..."

لخص حسن أسباب شرائه و الكثير من زملائه للشهادة، بكلمات عديدة و بلهجته العفوية المعبرة.

 

 


انتباه: معلومات هامة, ولكن!

 
من خلال مقابلتي لحسن و منصور، أفصحا عن معلومات هامة جداً، لم أستخدمها كاملة لكونها لا تخدم زاوية المعالجة المتناولة في تقريري التلفيزيوني، إلا أنها لا شك معلومات، بنظري، هي خطيرة، تلوم مؤسسات الدولة التعليمية.




هل هذه المعلومات حقاً عادية؟ أم أنها خطيرة فعلاً، و لكن ليس في نظر هؤلاء؟ 

لست أدري، أكاد أجن، هل يعقل درجة الغفلة التي وصلنا لها؟ 

استهترت السلطات... فاستهتر الطلاب... فاستهتر المجتمع... 


فاستهتر الاستهتار بنا.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق